جيلاً بعد جيل نتوارث ثقافة التخلف والانحطاط، حتى أصبحت تلك الثقافة واقعًا يجري في دمائنا، بل لقد جرّدتنا تلك الثقافة من أدوات التعلم، وحرَمتنا الشيء الكثير من مصالح الدنيا، ولم نستفِدْ من تلك الأدوات لتغيير واقعنا، وإنما أصبح واقعنا هو من يغيّرنا، ولكن للأسف إلى الأسوأ، لقد منحنا المولى - سبحانه وتعالى - أدوات العلم، وميّزنا بها عن سائر المخلوقات؛ لأننا المخلوق الوحيد الذي سُخِّرت له الأرض، وهو المكلَّف بعمرانها والبحث والتنقيب فيها، كما هو المحاسب الوحيد على تصرفاته سلبًا كانت أو إيجابًا، ذلك الحساب في الدنيا قبل الآخرة، ومن أهم تلك الأدوات العقل الذي هو مناط التكليف، ذلك الجهاز العجيب للتحكم في تصرفاتنا أقوالاً وأفعالاً، لا بد أن تمر عبره ليميز النافع منها من الضار، والحاصل أننا عطلنا ذلك الجهاز العظيم، واستبدلنا به عواطفنا، التي أحكامها ليست دقيقة ولا عميقة ولا منطقية، بل وضارة أكبر مما هي نافعة، ومن أمثلة ثقافة التخلف: الرضا بالأمر الواقع، وعدم السعي للتغيير على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، وإن الزمان لا يأتي بأحسن؛ رغم مشاهدتنا ومعايشتنا لحجم التغيرات الكبيرة من حولنا في جميع نواحي الحياة، بل قد يقول البعض معتقدًا اعتقاد من لا يساوره شك: إن تغيير الحال من المحال، ثقافة تناقلناها من الآباء عن الأجداد، ونورثها للأبناء، وهلم جرًّا، فكثير من الناس وُجد في بيئة غير متعلمة مثلاً أو فقيرة ومعدمة، ويرضى بواقعه، ولا يحاول إجراء تغيير فيه، ولو بشكل بسيط، ورضاه نابع عن قناعة أن هذا قدره ومكتوب له، مبتعدًا عن بذل الأسباب التي هي أساس بناء الأرض وتطور الإنسان، وهي جزء من عقيدتنا وعبادتنا لله - سبحانه وتعالى.